بيرسيبوليس: الغوص في الماضي المجيد لبلاد فارس القديمة
بيرسيبوليس، الاسم الذي يتردد فيه صدى أمجاد الماضي السحيق، هو وجهة لا غنى عنها لكل من يسافر عبر إيران. تُعرف بيرسيبوليس محليًا باسم "تخت جمشيد"، وهي موقع للتراث العالمي لليونسكو وأكثر بكثير من مجرد مجموعة من الآثار؛ إنها عاصمة احتفالية مخطط لها بدقة كانت في يوم من الأيام القلب النابض للإمبراطورية الفارسية الأخمينية. تقع بيرسيبوليس على بعد حوالي 60 كيلومترًا شمال شرق شيراز في محافظة فارس الخلابة، وتوفر زيارة إليها رحلة لا مثيل لها عبر 2500 عام من التاريخ، مما يسمح للزوار بالسير على خطى الملوك والأباطرة.
نشأة الرؤية العظيمة: إرث داريوس الكبير
بدأ بناء بيرسيبوليس في عهد داريوس الأول الطموح، المعروف باسم داريوس الكبير، حوالي عام 518 قبل الميلاد. على عكس المدن التقليدية، لم يتم تصميم بيرسيبوليس كمركز إداري أو سكني. بدلاً من ذلك، كان غرضها الأساسي احتفاليًا: مسرح رائع للاستقبالات الملكية الكبرى، وحفلات الاستقبال الإمبراطورية، والأهم من ذلك، الاحتفال السنوي بعيد النوروز، رأس السنة الفارسية. خلال هذه الاحتفالات، كان المندوبون وحاملو الجزية من جميع الدول الـ 23 التابعة للإمبراطورية الأخمينية الشاسعة—إمبراطورية امتدت عبر ثلاث قارات، من النيل إلى وادي السند—يجتمعون لتقديم قرابينهم إلى ملك الملوك. كان هذا الحدث السنوي بمثابة عرض قوي لحجم الإمبراطورية الهائل، وقوتها الموحدة، وتنوع الثقافات التي شملتها، كل ذلك تحت حكم الأخمينيين الرحيم (من المنظور الفارسي).
روائع معمارية: مزيج من الإمبراطورية
تقف بيرسيبوليس كتحفة معمارية فريدة من نوعها، تعرض مزيجًا متناغمًا من الأنماط المستوحاة من الثقافات المختلفة داخل الإمبراطورية، بما في ذلك التأثيرات المصرية، والميزوبوتامية، والأيونية، وكلها متكاملة في جمالية فارسية متميزة. تم بناء المجمع بأكمله على شرفة حجرية هائلة، بعضها طبيعي وبعضها الآخر من صنع الإنسان، ترتفع بشكل كبير من السهل.
تبدأ رحلة الزائر عادةً بالدرج الكبير، وهو صعود مزدوج ضخم بدرجات ضحلة، يُقال إنه صمم بحيث يتمكن كبار الشخصيات المتوشحين بالعباءات من الصعود بأناقة دون كسر إيقاعهم. يؤدي هذا إلى بروبيلايوم، أو بوابة كل الأمم، وهي بوابة ضخمة بناها خشايارشا الأول. هنا، تقف تماثيل لاماسو—ثيران مجنحة أسطورية برؤوس بشرية—حارسة، ترمز إلى قوة الإمبراطورية واحتضانها الواقي لجميع الشعوب داخل نطاقها.
وراء البوابة، تتكشف روعة بيرسيبوليس الحقيقية. الهيكل الأكثر شهرة هو بلا شك قصر أبادانا، قاعة الاستقبال الكبرى. على الرغم من أن 14 فقط من أصل 72 عمودًا نحيفًا ومخددًا الأصليين لا تزال قائمة، إلا أن ارتفاعها الهائل (أكثر من 20 مترًا) وتيجان الثيران المزدوجة المعقدة لا تزال تثير الرهبة. تكمن القوة السردية الحقيقية لأبادانا في نقوشها البارزة الحجرية المحفوظة بشكل رائع، خاصة تلك التي تزين درجها الشرقي. تصور هذه المنحوتات المعقدة الموكب اللانهائي والمجمد للمندوبين الإمبراطوريين، يمكن التعرف على كل منهم من خلال زيهم العرقي الفريد والهدايا المميزة—من الخيول والجمال إلى المنسوجات والذهب والأسلحة—التي يقدمونها كجزية. هذه النقوش ليست مجرد زخرفية؛ إنها شهادة بصرية متطورة على التنوع الثقافي للإمبراطورية، وكفاءتها الإدارية، والخضوع المنظم لأراضيها الشاسعة.
تشمل الهياكل الهامة الأخرى قصر تشارا (القصر الخاص بداريوس)، المعروف بحجرها الجيري الرمادي شديد التلميع الذي لا يزال يتألق في ضوء الشمس بعد آلاف السنين؛ وقصر هاديش (القصر الخاص بخشايارشا)؛ وقاعة المئة عمود (أو قاعة العرش)، وهي ثاني أكبر مبنى، ويعتقد أنها استخدمت للاحتفالات الحكومية الكبرى وكمنطقة استقبال فخمة.
حريق الإسكندر وإرث دائم
انتهى العصر المجيد لبيرسيبوليس بشكل مفاجئ ودراماتيكي في عام 330 قبل الميلاد عندما غزا جيش الإسكندر الأكبر المدينة. تشير الروايات التاريخية إلى أن الإسكندر أمر عمداً بحرق مجمع القصر، وخاصة قصر خشايارشا، كعمل انتقامي لتدمير الفرس لأثينا خلال الحروب اليونانية الفارسية. غذت الأسطح الخشبية والهياكل الداخلية حريقًا كارثيًا، تاركة وراءها الآثار الحجرية الرائعة التي نراها اليوم.
على الرغم من هذا التدمير العنيف، فإن الأساسات والجدران الحجرية المتينة، وخاصة النقوش البارزة، قد حافظت على نافذة لا تقدر بثمن على واحدة من أكثر الحضارات القديمة تأثيراً وتطوراً في التاريخ. تقف بيرسيبوليس كرمز دائم للتراث الثقافي الغني لإيران وتذكير مؤثر بمد وجزر الإمبراطوريات.
نصائح لزيارة بيرسيبوليس
لتقدير الموقع بالكامل، ضع في اعتبارك هذه النصائح:
- أفضل وقت للزيارة: يوفر الربيع (مارس-مايو) والخريف (سبتمبر-نوفمبر) أفضل طقس. يمكن أن تكون أشهر الصيف شديدة الحرارة.
- الأحذية: ارتدِ أحذية مريحة للمشي، حيث ستتنقل في تضاريس وعرة وتتسلق السلالم.
- الترطيب: احمل الماء، خاصة خلال الأشهر الأكثر دفئًا، حيث أن الموقع مكشوف.
- ما وراء الشرفة الرئيسية: لا تفوت تسلق التل الصخري المجاور لمشاهدة المقابر المنحوتة في الصخر لأرتحشستا الثاني والثالث.
- الدمج مع نقش رستم: على بعد مسافة قصيرة بالسيارة، تُعد مقبرة نقش رستم (التي تحتوي على المقابر الصخرية الضخمة لداريوس الأول وخلفائه) مكملًا أساسيًا لتجربتك في بيرسيبوليس. تجمع العديد من الجولات بين الموقعين.
- الجولات المصحوبة بمرشدين: يمكن أن يؤدي الاستعانة بمرشد محلي إلى تعزيز فهمك للتاريخ والرمزية المعقدة المضمنة في الآثار بشكل كبير.
